#‏يذكر الجاحظ قصة مأثورة قبل تدوينه أحد كُتبه

#‏يذكر الجاحظ قصة مأثورة قبل تدوينه أحد كُتبه
المؤلف معلومات وقصص مفيدة
تاريخ النشر
آخر تحديث


 ‏يذكر الجاحظ قصة مأثورة قبل تدوينه أحد كُتبه فيقول: 

ألَّفتُ كتابًا في نوادر المُعلمين وما هُم عليه من التّغَفّل، ثم رجعتُ عن ذلك وعزمتُ على تقطيعِ ذلك الكِتاب. فدخلتُ يومًا مدينةٌ فوجدتُ فيها معلمًا في هيئةٍ حسنة ومظهرٍ جميل، فسلمتُ عليه فردَّ عليَّ أحسنَ رد ورحّبَ بي.


‏فجسلتُ عنده فباحثتُهُ في القرآن، فإذا هو ماهِرٌ فيه، ثم فاتحتُهُ في الفقه والنحو وعِلم المعقول وأشعار العرب، فإذا هو كاملُ الآداب. 


فقلتُ هذا والله مما يُقَوِّي عزمي على تقطيع الكتاب، فكنت أختلف إليه وأزوره


‏فجئتُ يومًا فإذا بالكُتَّاب مُغلق، ولم أجده، فسألتُ عنه، فقيل: مات له ميت فحزن عليه وجلس في بيته للعزاء فذهبتُ إلى بيته، فطرقتُ الباب فخرجت عليَّ جاريه وقالت: ماتريد ؟ 

قلت: سَيّدَكِ ، فدخلتُ إليه فإذا به جالس 

‏فقلت: عظَّم الله أجرك، لقد كان لكم في رسولِ الله أُسوةٌ حسنة، كل نفسٍ ذائقةُ الموت، فعليك بالصَّبر.

ثم قُلتُ له: هذا الذي توفَّى ولدك؟ 

قال: لا 

قلت: والدُك؟ 

قال: لا 

قلت: أخوك ؟ 

قال: لا 

قلت: إذًا زوجتُك؟ 

قال: لا 

قلت: ماوجه قرابته منك؟ 

قال: حبيبتي .

‏قلت في نفسي: هذا أولُ المناحس.

وقلت: سبحان الله النساء كثير ستجد غيرها إن شاء الله. 


قال : أتظُنّ أني رأيتها؟ 

قلت في نفسي وهذه منحَسَةٌ ثانية 

ثم قلت: وكيف عشقت من لم تَرَ؟ 


فقال: اعلم أني كنتُ جالسًا في هذا المكان وأنا أنظرُ من النافذة إذ رأيتُ رجلًا عليه بُردٌ وهو يقول: ‏يا أُمَّ عمرٍو جزاكِ اللهُ مكْرُمَةً 

رُدّي عليَّ فؤادي أينما كانا 


لا تأخُذينَ فؤادي تَلْعبينَ به 

فكيف يلعبُ بالإنسانِ إنسانا 


فقلت: لولا أنّ أُمَّ عمرو هذه مافي الدنيا أحسن منها لما قيل فيها هذا الشِّعر، فعشِقتُها، فلمّا كان منذ يومين مرَّ ذلك الرَّجُلُ بعينه وهو يقول: ‏لقد ذَهَبَ الحمارُ بأمّ عمرٍو 

فلا رجعت ولا رَجعَ الحِمارُ !!


فعلمت أنها ماتت فحزِنتُ عليها وجلستُ في الدار. 


فقلت: يا هذا إنّي كنت ألّفتُ كتابًا في نوادركم معشَرَ المُعلمين، وكنت حين صاحَبتك عزمتُ على تقطيعه، والآن قد قويت عزيمتي على إبقائه، وأولُ ما أبدأ أبدأُ بك إن شاء الله!


‏📕المصدر: البيان والتبيين -الجاحظ-.

تعليقات

عدد التعليقات : 0