ربة المنزل والرسام الحادي عشر

 

ربة المنزل والرسام الحادي عشر 

جلس تيم بزنزانة بعيدا عن البقية واضعا يديه بين فخذيه.. وأخذ يفكر.. يفكر بالمصيبة التي وقعت فوق رأسه.. كان بالكاد يذكر شيئا.. كل ما كان يتذكره ان الفتاة الشقراء قالت أن اسمها أليكسا وهي طالبة بلغارية وتريد ان تأخذ دورات رسم.. وتذكر رائحة قميصها فقد كان مثقلا برائحة غريبة.. مزعجة وثقيلة ويذكر أنه شعر بالضيق وصداع شديد من الرائحة وطلب منها الرحيل ثم صار يرى أشكالا هندسية وصور متداخلة وهلوسات غريبة .. ثم صار يحلم أنه يمشي ويمشي ويستلقي فوق عشب وبفتاة صغيرة بالسن تتمايل فوقه وتقوم بأمور خادشة للحياء وتضحك بمجون. وعندما استيقظ تيم وجد نفسه وحيدا على الأريكة بالمرسم وقميصه مفكوك الأزرار ولا شيء آخر قد تغير.. وكان متعرقا وبطنه يؤلمه.. فظن انه قام بفتح القميص بسبب شعوره بالحر لكن لا يذكر بالتحديد..

قطع أفكاره شاب ذو عضلات على وجهه آثار موس وقال: ما تهمتك يا أخ؟

قال تيم بسرعة : بريء.. انا بريء..

قال شاب سمين : هههه كلنا نقول ذلك. ما تهمتك؟

فكر تيم بسرعة وقال بتوتر: محاولة سرقة بنك.

قال شاب : هههههههه ما بالك خائف؟ انت بالنسبة لنا قدوة.. نحن نرى السارق وتاجر المخدرات قدوة لانهم يسعون لتحسين احوالهم المعيشية. لو قلت لنا ان تهمتك تعنيف زوجتك أو أمك او ابيك لضربناك حتى ينقلوك لزنزانة أخرى.

قال تيم بسرعة : اعوذ بالله..

قال الشاب المجروح بالموس: ولو قلت لنا ان تهمتك هتك عرض او اغتصاب لقمنا باللازم معك ولقناك درسا فالمغتصبون حثالة السجون.. 

زاد ارتعاش تيم وقال: اعوذ بالله.. مستحيل..انا حاولت سرقة بنك وفشلت.. رجاء اتركوني بحالي. 

تقدم رجل بالخمسين وقال: ابتعدو عنه.. يبدو جديدا خائفا.. 

ثم وضع يده على كتف تيم وقال: تشرب شاي؟ 

قال تيم: لا شكرا.. 

لكن الرجل تجاهله وقال: يا ساطور.. أعد ابريق شاي.. 

قال تيم متوترا: اسمه ساطور؟ 

قال الرجل : بل لقبه بين الزعران.. اسمه الحقيقي مهند.. وانا ساري.. 

قال تيم بخوف اهلا.. 

فتح شرطي الباب وقال: تيم رضا. 

وإذ بتيم يقفز عند الشرطي ويبتعدان معا عن الزنزانة.. وهو يقول أخيرا.. 

مشى تيم مع الشرطي حتى وصل غرفة فيها والده والمحامي.. 

ما أن رآه والده حتى ركض إليه وضمه قائلا: لا تخف يا حبيبي انا أصدقك. 

دفن تيم رأسه بصدر والده وأجهش بالبكاء.. 

قال المحامي : لقد شاهدت الشريط مع الوالد وواضح انك لم تكن على طبيعتك.. لكن سأعيد مشاهدة الشريط مع خبراء بلغة الجسد وسنقوم بفحص دمك لمعرفة المادة الغريبة التي تسببت بهذيانك بهذا الشكل.. 

تم أخذ تيم للمختبر وعمل فحوصات له لكن للاسف فالشكوى التي قامت بها الفتاة كانت بعد عدة أيام من الحادثة فذهب مفعول المادة واصلا كانت مادة غريبة مستوردة لا يوجد لها تحاليل بالمختبر مما أصاب تيم بالاحباط خاصة ان المادة انتقلت له عبر الاستنشاق ولم يتم تقديمها له عن طريق كأس عصير مثلا.. لكن المحامي طلب من تيم الصبر ريثما يتم حل الموضوع.. 

بعد أن هدأت ياسمين قليلا وعيت خطأ ما فعلته فعندما عاد بها شريط الذكريات كان واضحا ان تيم لم يكن على طبيعته بالفيديو .. 

انتظرت حتى عاد والد تيم من المخفر وقصت عليه ماحدث وقال لها : كان المفترض بك يا ياسمين أن تكوني أول من يقف بجانب تيم بدل طلب الطلاق ولكن الوسواس والغيرة نالت منك ولولاي انا لانهار تيم تماما.. هل هذا جزاؤه أن وقف بجانبك؟

سالت دموع ياسمين وقالت: يا عم رضا.. الفيديو كان غريبا . لا أدري.. كان تيم ينظر إليها ويضحك.. لقد تصرفت من الصدمه.. ولا أدري للآن مالذي حدث بالضبط! 

قال الأب: يفترض ان حبك له كان أكبر وللأسف فشلت بأول اختبار معه.. 

اخفضت ياسمين رأسها وقالت:عمي لقد طلقني تيم بناء على طلبي وسأخرج من منزلك وسأعيد لك الذهب الذي اعطاني إياه تيم.. 

قال الأب: وانا لن اقبل الذهب قبل مشاورة تيم.. ولكن لم يعد لك مكان هنا.. 

اضطرت ياسمين للعمل بتنظيف الصحون بأخد المطاعم الكبيرة ريثما تدبرت عملا كبديلة مؤقتة لمعلمة فنون بإحدى المدارس فقد تم إغلاق المرسم ريثما ينتهي التحقيق وعادت لتسكن بشقة مستأجرة.. ولسبب ما انتشر خبر القبض على تيم بتلك التهمة المقززة بكل البلدة.. 

ذهبت ياسمين للمحامي واخبرته انها على استعداد لتشهد ان تيم ذو أخلاق ولم يسبق له ان نظر نظرة غير لائقة لأي فتاة تأخذ دورات بالمرسم.. 

لكن المحامي قال ان شهادتها لا تنفع كونها لاتزال زوجته بالأوراق أي شهادتها مجروحة وهو أحضر شهودا غيرها من الطالبات والأهالي.. 

جلس المحامي مرة ثانية مع خبراء لغة الجسد وشاهدوا الشريط.. ولاحظ المحامي انعكاس لوجه تيم بنافذة المرسم كون الزجاج غامق ففرح لان الكاميرا لم تبين وجهه كون ظهره وظهر الفتاة كان للكاميرا.. 

فقام بتقريب الصورة لانعكاس الزجاج وتقليل سرعة الفيديو وكان واضحا كذب الفتاة فحركات شفاه تيم تثبت انه لم يطلب من الفتاة مرافقتها للجلوس على الأريكة بل طلب منها بحزم المغادرة فورا.. كما ان حركات تيم وهو ممدد على الأريكة كانت تبدو اقرب للهلوسة وغياب الوعي بينما حركات الفتاة التي جلست على ساقيه كانت تبدو حركات ساقطة متمرسة.. 

استطاع المحامي من خلال التحقيقات معرفة ان الفتاة المدعية أليكسا فعلا طالبة تبادل ولكن بعد تعقبها تأكد انها تعمل ليلا ببيت دعارة مختفي تحت الأرض يصل له الزبائن من خلال باب مخفي بسوبرماركت مما يعني كذبها فهي لم تكن عذراء بريئة كما ادعت وقام بالتقاط صور لها وهي خارجة دون علمها.. 

بيت الدعارة الذي دخله شاكر وطلب من القائمة عليه لقاء أليكسا.. 

قالت المديرة وهي تدخن بشراهة: أليكسا مع زبون.. هل تريد انتونيلا؟ 

قال شاكر: بل أليكسا.. 

قالت المديرة: لم تصر على أليكسا؟ فأنتونيلا جميلة وترضي الزبائن.. 

قال شاكر بتوتر: قلت أليكسا يعني اليكسا.. 

ما ان فرغت اليكسا حتى قالت لها المديرة ان السيد ( ماهر) يريدها.. فعرفت أليكسا انه شاكر متنكرا.. 

ما أن دخل شاكر الغرفة حتى شرعت اليكسا بفك ازرار القميص.. 

همس شاكر بعصبية وهو يخلع النظارة الشمسية : يا ساقطة يا حمقاء لست هنا للزنا.. استغفر الله.. جئت احذرك من ان تقولي اسمي بالتحقيقات..والله اذبحك.. 

قالت بتوتر: اين بقية المبلغ؟ 

عدل شاكر شاربه وشعره المستعار وقال: خذي! 

قالت: وان انكشفت؟ 

قال لها: يقومون بتسفيرك لبلدك حسب القانون عندنا لانك قاصر.. وهكذا تكونين قد عدت لوطنك دون ان تضطري للعمل بالدعارة لجمع المبلغ..

قالت له: وإن سألوني لم فعلت ذلك؟ 

قال شاكر : قولي انك فعلت ذلك لانك طلبت علاقة حب مع تيم ورفض فانتقمتي منه.. 

قالت أليكسا: سينكر.. 

قال شاكر: ٱصري على موقفك.. لا تخافي.. 

خرج شاكر واستلمت أليكسا النقود وهي تبتسم.. 

فقد عاشت عند عائلة عربية اثناء برنامج تبادل دراسي بين الدول.. لكن العائلة طردتها بسبب مشاكل مع ابن الجيران.. ورفضت السفارة البلغارية اعطاءها ثمن تذكرة العودة لبلادها.. فهربت من المدرسه واتجهت للدعارة لتجمع تذكرة العودة بعد ان انفقت نقود المنحة على الملذات.. 

تمت محاكمة أليكسا بوجود أدلة المحامي التي اثبتت كذبها وان تيم لم يدعها للجلوس معه وثبوت انه لم يهتك عرضها فهي اصلا تعمل بالدعارة.. وشهادة خبراء الجسد ان تصرفات ولغة جسد تيم لم تكن لشاب يستمتع مع فتاة بل شخص يعاني هلوسات وفقدان تركيز وتشنجات من وقت لآخر .. ومن ناحية اخرى لم تكن تصرفات أليكسا تصرفات طفلة بريئة يتم استغلالها لأول مرة.. 

تم خروج تيم من السجن بزفة طويلة عريضة كأنه عريس فقد حرص والده على ان يعرف كل الناس انه بريء.. 

أما اليكسا فرفضت ان تشي بشاكر خوفا منه رغم الضغط الشديد عليها.. وتم حبسها فترة قصيرة تم بعدها تم ترحيلها لبلدها.. 

عاد تيم لعمله لكن كان الطلاب قد انسحبوا فبالرغم من إعلان براءته فقد اشمأز منه الأهالي رغم أنهم لم يشاهدوا الفيديو.. 

كان تيم جالسا يرسم بحزن وإذ بياسمين تدخل وتقول: حبيبي الحمد لله على براءتك.. 

وقف تيم بغضب وقال: ماذا تريدين؟

قالت ياسمين : أريد ان نعود لبعضنا البعض يا تيم.. فما حصل مني كان ردة فعل. 

قال تيم: ردة فعل؟ تخليك عني بأسوأ الظروف كان ردة فعل؟ وأنا الذي تعرضت لما تعرضت له بسببك انت وزوجك السابق.. 

قالت ياسمين : حبيبي الفيديو كان غريبا وصادما.. ولكني اعرف انك بريء.. 

قال تيم باستهزاء: الكل صار يعرف بأني بريء بعد أثبت المحامي براءتي.. وانت فقط واحدة من الكل.. الوحيد الذي آمن بي هو والدي فقط والباقي مزيفون.. كاذبون.. 

قالت ياسمين بحزن : هكذا يكون شاكر انتصر علينا. 

قال تيم بغضب: انتصر عليك وحدك.. انا لا أريد أي علاقة بك وبه.. وأي علاقة بهذه المدينة.. سأهاجر.. سآخذ والدي وأبناء شقيقتي ونهاجر..

قالت ياسمين بفزع: أين؟ 

قال تيم: للعاصمة.. حيث لا يعرفني احد.. او لأوروبا.. أو لا أدري.. والله لا اتحسر سوى على فراق عبد الله وعادل.. 

قالت ياسمين باكية وهي تسلمه صندوقا: هذا الذهب الذي اهديتني اياه.. خذه..انت بحاجة له.. 

قال تيم غاضبا: ومن متى آخذ شيئا من امراءة؟ .. ثم انت ايضا فقدت عملك وبحاجة للذهب.. 

قالت ياسمين : وما فائدة الذهب وتيم لم يعد لي.. 

قال تيم يعصبية: انت اخترت هذا الطريق.. ومع ذلك فلن اقبل الذهب أبدا.. ولو سمحت اخرجي من هنا ومن حياتي.. 

مضت ياسمين بطريقها وحدقت بالذهب قائلة: لن أستسلم.. سأثبت لنفسي انني مستقلة وأستطيع الاعتماد على نفسي.. عندها فقط سأستحق الحياة وأستحق تيم.. 

يتبع..