حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية (إحدى مناطق السودان
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
ربة المنزل والرسام الثاني عشر
كانت ياسمين تجد صعوبة بتقبل بعدها عن تيم وتشعر برعب من فكرة أن يحب غيرها. فتصرفها لم يكن قلة ثقة بتيم فهي متأكدة من أخلاقه لكن كانت قلة ثقة بنفسها لكنها لم تعرف كيف تعبر.. ولامت نفسها ألف مرة على غبائها فتيم أحبها حبا مطلقا دون شروط وحارب من أجلها فكان جزاؤه ان استغلت حبه وصبره لتلقي بعقدتها النفسية عليه عن طريق الغيرة الشديدة. عقدتها المتمثلة بخوفها الشديد من تركه لها وسبب هذه العقدة النفسية قلة ثقتها بنفسها بعد سنوات من الحياة مع شاكر والذي جعلها زرع بعقلها فكرة انها سمينة وأن جسدها لم يعد جميلا بعد الإنجاب..
وحتى بعد طلاقها من شاكر تزوجت تيم فورا وكانت حياتها في كلا الحالتين معتمدة على رجل.. فتستشير تيم بكل صغيرة وكبيرة.. وتحقق معه ان تأخر أو تحدث مع فتاة لسبب ما مما سبب له اختناقا بينما كانت تسعى لإرضاء شاكر الذي كان يسيء معاملتها عندما كانت زوجته.. رغم أن حبها الأكبر كان لتيم لكن خوفها من شاكر جعلها تتعامل معه بطريقة أفضل.. أما تيم فخوفها من فقده جعلها تخنقه والآن لم هناك سبب لتخاف فقد فقدته فعلا.
فقررت ياسمين ان تصلح نفسها وتعيد لتيم عمله الذي فقده حتى وإن لم يعد لها.. فقامت بحجز موعد مع طبيب نفسي ليعالج قلة ثقتها بنفسها وحزنها ويساعدها ان تكون مستقلة فأول خطوة لعلاج المشكلة هو الاعتراف بها..
أرادت ياسمين الدخول على صفحة فيسبوك للمرسم ففوجئت بأن تيم قام بحظرها فأصابها الحزن فقد أرادت إعادة الأطفال للمرسم عن طريق البوستات.
وما زاد من حزنها عندما لقيها شاكر صدفة بالسوق وقال:
ألم أقل لك يا ياسمين أنك لا تصلحين ان تكوني زوجة.. ها قد انفصلت مرة أخرى.. هههههه ياللإسف انه أمر مثير للشفقة..
لكن ياسمين استجمعت شجاعتها وقالت:
ومن قال لك أنني أريد ان اكون زوجة؟ نعم الزواج شيء جيد لكن أتعرف؟ لم يعد من أولوياتي..
ثم غادرت وتركته يغلي من الغيظ..
كانت ياسمين ذات مساء تساعد عبد الله وعادل بحل واجباتهم المدرسية ففوجئت بموبايل عادل يرن..
ونظرت فإذا هو رقم تيم..
لقد اشتاق تيم للأولاد..
مسحت ياسمين دمعتها وأعطت الموبايل لعادل.
والتصقت بعادل والصقت اذنها للموبايل..
قال تيم: عادل كيف حالك؟
قال عادل: الحمد لله لكن أشعر بحزن فقد اشتقت لك بابا تيم..
قال تيم مكابرا: حبيبي عادل هكذا أفضل.. لكن ان احتجت لشيء فأتصل علي..
قال عادل: الحمد لله ماما لا تقصر معنا بشيء لكن اشتقنا لك.
قال تيم بصوت مخنوق: وانا أيضا... اعطني عبد الله..
اخذ عبد الله الموبايل وقال : حبيبي عمو تيم انا اشتقت لك.
قال تيم:كيف حالك عبد الله الذكي؟
قال عبد الله فجأة: انا بخير لكن ماما مريضة.. هي لا تظهر انها مريضة امامنا لأنها قوية لكن انا اكتشفت بنفسي انها مريضة..
فتحت ياسمين عيناها مذهولة.. فهي لم تخبر احدا ولا حتى اولادها انها تراجع طبيب نفسي.. ولا تريد لتيم أن يعرف حتى لا يظن أنها ضعيفة أو يشمئز منها. فياسمين كانت تظن ان المرض النفسي هو ضعف وعيب وهي نظرة المجتمع الخاطئة فالمرض النفسي مثل العضوي بالضبط يحتاج تشخيص وعلاج ..
قال تيم بقلق: ما بها ماما؟
قالت ياسمين بتوتر: عبد الله..
لكن عبد الله أكمل : اليوم فتحت حقيبتها لأبحث عن حلوى.. ووجدت دواء وورقة مكتوب عليها اسم طبيب نفسي ولكن عندما سألتها ما معنى (طبيب نفسي) غضبت ووبختني.. ما معنى (طبيب نفسي) عمو تيم؟
شعر تيم بالقلق وسالت دموعه فياسمين بأمس الحاجة ليقف احد معها فالكل قاطعها ابتداء من شاكر واهله وأهلها وانتهاء به..
قال تيم بقلق: هل يزوركم احد؟ هل ماما لها صديقات؟ ..
قال عبد الله : ابدا فهي تعود من عملها بالمدرسة للمنزل فترتب وتطهو لنا وتقوم بتدرسينا ثم تذهب للمطعم فتقوم بغسل الصحون لتوفر لنا نقود.
قال تيم بصوت مخنوق: اعطني ماما..
قال عبد الله : ماما خذي.. بابا تيم يريد الحديث معك.. لكن ياسمين قالت بصوت مرتفع ودموعها تسيل: انا لست بحاجة لشفقة أو مساعدة من أحد.. الحمد لله انا قوية واستطيع القيام بكل شيء وحدي وأستطيع الاهتمام بأولادي وحدي..
قال عبد الله : بابا تيم ماما ترفض الحديث معك.. لكن انا خائف عليها..
قال تيم: حبيبي لا تخف.. فماما قوية وستتخطى المرض لا تخاف..
قال عبد الله: بابا تيم ارجع عندنا.. فصرت أشعر أنني صرت يتيما مرة أخرى..
أغلق تيم الخط وألقى نفسه على سريره وأجهش بالبكاء..
فهو كان قلقا على ياسمين وبنفس الوقت غاضب منها ولا يستطيع العيش معها بانسجام وهي تعاني من مشاكل وبعد ما بدر منها.. وبنفس الوقت فخور بها لأنها بدأت تعترف بمشاكلها وتحاول حلها..
كانت ياسمين خارجة من المدرسه وإذ بزوج شقيقتها كمال يناديها: ياسمين..
نظرت إليه وقالت مستغربة: كمال؟
قال لها: أين أنت؟ فوالدك مريض جدا بالمستشفى ويريد لقاءك..
قالت له وقلبها يخفق توترا: طيب سأحضر الأولاد من المدرسه وآتي..
كانت ياسمين عصرا بين ذراعي والدها وبكيا سوية..
قال والدها: لا أدري كيف فضلت مجاملة اخي عليك.. حبيبتي عرفت انك تسكنين وحدك وأشعر ان منيتي اقتربت وأردت الاطمئنان عليك وعلى اخواتك وأن تسامحيني على قطيعتي لك وحرمان والدتك وأخواتك من رؤيتك.. فبعت قطعة الأرض الصغيرة وقررت توزيع الميراث عليكم قبل وفاتي..
ضمته ياسمين وقالت: حبيبي بابا.. لا تقل ذلك.. فأموال الدنيا لن تعوضني عنك.. احتاجك بجانبي.. كم انا بحاجة لك يا حبيبي❤️
جلست ياسمين أخيرا مع امها في منزل أهلها مؤقتا لمتابعة احوال والدها في المستشفى لكن للأسف وافته المنية فحزنت ياسمين حزنا شديدا وبكت بحسرة على والدها الذي لم تره سوى أيام قليلة قبل وفاته لكن الله عوضها بوجود أمها وأخواتها بقربها..
استلمت ياسمين مبلغ خمسة آلاف من نقود أرض والدها بعد تقسيمها وفكرت ماذا يمكن ان تفعل بها وبذهبها.. وقررت انها ستفعل شيئا واحدا فقط.
انقاذ مستقبل تيم الذي تدمر بسببها..
لا تريد منه شيئا..
لم تعد حتى تطمح ان يعود اليها..
تريد فقط ان تعيد له حياته فهو لا يستطيع العمل بالمدينة التي يحبها بعد ان نفر الناس منه وليس معه نقود حتى لمغادرة المدينة..
ذات مساء فوجيء الناس برافعه طويلة استأجرتها ياسمين بساحة كبيرة وسط المدينة وجلست أعلاها وثبتت فيها بالون ضخم مليء بالنقود على شكل فكة.
كانت الرافعة مثبتة وسط الساحة ومع العمال المختصين المساعدين لها..
تجمهر الناس مطالبين ياسمين بثقب البالون لتنزل النقود لكنها طلبت منهم التجمهر وسرعان ما تجمهر فضوليون من المدن الصغيرة المجاورة لمشاهدة الحدث الضخم..
قالت ياسمين ممسكة بالمايك وبيد أخرى صورة تيم:
هل تعرفون من هذا الشخص؟
هذا الشخص الذي انقذ حياتي وانتشلني من البؤس وبسببي تعرض لشائعة مغرضة دمرت عمله..
اذا اردتم ان اثقب البالون وتتساقط عليكم النقود أحضروا الرسام تيم رضا حالا..
كان تيم منهمكا بالرسم وإذ بجماهير تدخل المرسم وتحمله على الأكتاف وهو مذهول..
وقف تيم وسط الناس يشاهد ياسمين على الرافعة مذهولا..
صاح : ماهذا يا مجنونة.. انزلي!
قالت ياسمين : علمتني يا تيم ان اكون امراءة قوية مستقلة.. لا انتظر من رجل ان يعطيني السعادة.. ان المرأة بإمكانها المغامرة والخروج من قوقعتها وخوض تجارب جديدة رغم أنف الظروف.. وقاتلت من أجل أطفال ليس أطفالك..
ولكنني ظلمتك.. نعم ظلمتك انا وكل من يقف الآن في هذه الساحة..
انا لم أظلمك لانني شككت بطهارتك واخلاقك بل لأني شككت بنفسي وبكوني استحقك.. ظلمتك لان ثقتي بنفسي كانت قليلة.. لكنني اخضع للعلاج النفسي ولن اخجل من الاعتراف بهذا امام الجميع..
لكن الناس هنا ظلموك وأخرجوا أطفالهم من المرسم.. يظنون انهم فعلوا الخير لأطفالهم.. ولا يعلمون انهم يزرعون فيهم ان يتقبلوا الظلم وقهر المظلوم..
نسوا ان الفن رسالة سامية.. الفن يعلم الاخلاق ويعالج التوتر ويزيد التركيز ويعلم الابداع..
اخرجوهم من المرسم ورموهم مرة اخرى للتلفاز والالعاب الإلكترونية.. اخرجوهم من الخطر الوهمي للخطر الحقيقي..
حاولت ان أشهد لصالحك بالمحكمة فرفض المحامي.. لكن هذه فرصتي لأشهد امام الجميع ان لا يوجد احد بطهارة تيم ونزاهة تيم ودين تيم بين كل من عرفت بحياتي..
ثم سالت دموع ياسمين ومسحتها قائلة: انا لا أقول ما اقول لتعود لي يا تيم فما فعلت لا يغتفر.. وهذه نقودي كلها وضعتها هنا ثمنا ليسمع الناس كلمة الحق التي كنت أتمنى ان أقولها لك منذ وقت طويل.. واتمنى من كل واحد سمعني ان يسجل اطفاله بمرسم الإبداع للرسم والفنون التشكيلية وتوجد دورات لربات البيوت والرجال وحضانة أطفال أيضا.. انا لن استفيد شيئا من هذه الدعاية فأنا لا اعمل هناك ولم اعد زوجة تيم.. لكنني أريد ان يرتاح ضميري فهو شيء مهم لرحلة علاجي..
صفق الناس وصفروا لكلام ياسمين..
ثم ثقبت ياسمين البالون وتناثر شلال من النقود فوق الناس الذين تجمعوا وصاروا يجمعون النقود ولكن ياسمين لم تحزن بل شعرت بسعادة لا توصف فنزلت واعطت الميكروفون للعامل ومشت متجهة نحو السيارة التي فيها شقيقتها والاطفال لكن فوجئت بيد تمسك يدها أمام الجميع.. التفتت فوجدت تيم يمسك يدها والدموع تملأ وجهه وباليد الأخرى معه الميكروفون وقال: وانا لن استطيع ان أكمل عملي بالمرسم بدونك يا ياسمين.. ولا استطيع ان أكمل حياتي بدونك ايضا..
تعالى التصفيق والهتاف ووضعت ياسمين يدها على فمها من الصدمة وصارت تبكي..
لقد عادت لتيم وعاد لها..
لكن بعد ان سامح تيم ياسمين بدأ غضب آخر بالظهور ورغبة تيم بالانتقام من شاكر سيطرت عليه.. رغم ان ياسمين طلبت منه ان ينسى شاكر ويمضيان معا بحياتهما لكن تيم كان قد وصل حد الجنون.
سيحارب شاكر برزقه كما حارب تيم برزقه. وليكن ما يكون.
إلى اللقاء بالحلقة الأخيرة
يتبع