حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية (إحدى مناطق السودان
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
(إنكسار)
ذلك الوجهه الذى ترك عليه الزمن آلامه وأوجاعه، تلك التجاعيد التى نحتت تاركه بصمتها، لتكون خير دليل على صعوبة الحياة التى عاشها، نظرة عيناه التى لم يعد يدهشها شئ، ضحكته التى نسى صوتها منذ زمن بعيد، الشيب الذى يغطى راسه ولحيتة، ملابسه الغير مهندمة و التى لم يعد يهتم لأمرها كسابق عهده.
يجلس بجوار ذلك السور الحديدى لجامعه القاهرة، يفترش الارض، أمامة الكثير من الكتب التى يببعها، او هكذا يحاول أن يوهم نفسه بأنه يفعل.
منذ أسبوع كامل لم يبيع كتاب واحد، لم يعد يمتلك سوى بضعة جنيهات تكفيه بالكاد للعيش للغد، يرفض بشدة الصدقات التى يعرضها عليه المارة، فهو يمتلك كبرياء وعزة نفس واضحة برغم فقره وأحتياجه الشديدين..
المعاش الذى يتقاضاة لا يكفى عشرة أيام، لذلك فكر فى أن يبيع مكتبتة الخاصه التى أنشأها بمنزله منذ ما يقرب من أربعين عاما، لعلها تساعده فى نفقاتة اليومية، بعدما أصبح وحيدا بعد وفاة زوجته، فى بداية الأمر أحس بأنه يبيع أطفاله بالرغم من إنه لم ينجب، تردد كثيرا ولكن مرارة الأحتياج، والحاجه للطعام كانت أقوى من كل شئ.
كان يظن إنه بمجرد أن يرى الناس الكتب التى يبيعها سوف يتهافتون عليها، كانت أخر خيبات الأمل عندما لم يعيره أحد أى إهتمام.
وكأن بضاعتة لم تعد مرغوبة وليس لها سوق كأنه يبيعها للناس الخطأ فى الوقت الخطأ، يتذكر إنه قام بشراء تلك الكتب بعشرات الآلاف من الجنيهات، نصحة أصدقاء كثيرين سابقا بعدم جدوى صرف كل تلك الأموال فى شراء الكتب، وأن يؤسس مشروع يساعدة على المعيشة.
دوما ما كان يسخر منهم، ويكون رده عليهم (بأنهم لايفقهون شئ وان الثقافه والعلم اهم من كل أموال الدنيا)
أبتسم عندما أيقن كم كان أحمق وهم على حق.
أثناء أنغماسة فى تلك الذكريات، أقترب منه شاب يسأله عن كتاب (لابن خلدون)، أمسك بالكتاب وناوله إياه، شكره الشاب كثيرا، تسأل عن سعرة.
- الموجود معك لن نختلف
تردد الشاب ورد قائلا:
- فى الحقيقة لا أمتلك أى نقود الآن.. ولكن هل يمكنني حجزة حتى الغد .. سوف أعود لأخذة
- لا تفضل الكتاب وأعتبرة هدية.
نظر اليه الشاب والفرح يتطاير من عينية، أمسك بالكتاب وهو يشعر أنه حصل على كنز سمين.
راقب الشاب حتى انصراف مبتعدا، خاطب نفسه بحزن قائلا:
(هاهو مخبول اخر سوف يجلس بجوار سور الجامعة بعد سنين)
بعد فترة شرود أفاق على صوت شاب اخر يسأله عن كتاب (لابن كثير) أجابه بأنه موجود
خاطبه الشاب قائلا:-
- كم ثمنه؟
- الموجود معك
-سوف اعطيك خمس جنيهات.
- قليل جدا .. إجعلهم خمسون
رد الشاب بتعجب:
- الخمسين جنيها اقوم بدفعها فى تناول وجبة طعام لا ثمنا لكتاب.
وأطلق ضحكة ساخرة وتركه وانصرف.
أنسابت من عينية دمعه حزينه، فهو لم يعد يتحمل ماوصل اليه الحال، يشعر بأن هذا ليس زمنه وأنه وجد فى المكان الخطأ، أكثر ما مزق نياط قلبة، إنه أكتشف بعد كل تلك السنوات التى أضاعها فى القراءة والتعلم، أن العمر ذهب هباء.
أخرج القداحة من جيبة، أمسك بإحدى الكتب، أشعل به النار، بدأ فى إلقاء كل الكتب المتواجدة أمامة فى النار، التى أخذنت ترتفع لأعلي وبدات الناس تتجمع لمحاولة أخمادها، أنصرف وهو يتعجب من الذين لم يلتفتوا إليه وهو يبيع كتب نادرة تحوي الكثير من العلم، وتجمعوا حينما أشتعلت النيران.