حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية (إحدى مناطق السودان
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
قصة حقيقية حدثت في جمهورية السودان لمعلم في منطقة المناجيل الريفية …
قصة مؤثرة جدا الليلة الأخيرة
بعدما أنتهى من صلاة العشاء بالمسجد، عاد أدراجه للبيت مرة أخرى، يسير بخطوات بطيئه، متكئا على عصاه، فلقد بلغ الخامسه والسبعين من العمر، إلا إنه مازال يحتفظ ببعض الصحة، اذا أخذنا فى الأعتبار أن الضغط والسكر والتهاب المفاصل، أمرا طبيعيا لمن فى مثل عمره
صعد الدرج حيث تقع شقته بالطابق الثاني، بخطوات هادئه دخل وترك الباب مفتوح، سرعان ماعاد مرة أخرى يحمل فى يده صحن به بعض بقايا الطعام، وفى اليد الأخرى زجاجة بلاستيكية بداخلها ماء
قام بوضع الصحن بجوار باب الشقة، أفرغ المياه بداخل إناء أخر، فلقد أعتاد على فعل ذلك الأمر منذ زمن، حيث يقوم بوضع الطعام للقطط الجوعى.
فبعدما سافر أبنه وتزوج بالخارج وتزوجت أبنته فى محافظة تبعد عنه كثيرا، وتوفيت زوجتة، أصبح يعيش وحيدا بين جدران بيته.
يبدأ يومه بالأستيقاظ لصلاة الفجر بالمسجد، ليعود بعدها يقرأ القرآن حتي السابعه صباحا، وبعدما ينتهي يتناول أفطاره الذى يقوم بأعداده، ليعود للجلوس مرة أخرى فى الشرفة المطلة على الشارع الضيق الذى يقطن به، المزدحم بالمارة دوما.
يجد تسليته الوحيدة فى هذا الأمر، خاصه أنه لا يزوره أحد سوى أبنته التى تأتى فى بداية كل الشهر، لتعد له بعض الطعام الذى قد يحتاجه وتطمئن عليه، يقوم بأعطائها مبلغ شهري من المعاش الذى يتقاضاه، فهو يعلم بظروفها الصعبة وأبنائها الثلاث وحالة زوجها الغير مستقره ماديا.
لا يلوم عليها قلة زيارتها له ولا أتصالاتها القليلة، فهو يعلم العبئ الواقع على كاهلها.
بعدما فرغ، عاد للداخل، أغلق الباب، جلس على الأريكة التى أعتاد الجلوس عليها دوما بجانب زوجته، يتحدث إليها بالساعات كما لو إنها لم تفارقه
يراها بجوارة، بوجهها المشرق وأبتسامتها الحانيه وحديثها العزب، كقطارات الندي التى تنساب على أوراق الأشجار لتجعلها ترقص طربا كل صباح.
يتحدث إليها بما يجيش به صدره، يشكو لها من قسوة الفراق والوحده بعد غيابها.
تنساب من عينيه دمعة حارة، يشعر بيدها تمتد لمسحها، يشعر بها تربت على كتفه بحنان، ينظر إليها مبتسما، فتبادله الأبتسام، ينهض وهو يخاطبها قائلا:
- انا ذاهب للنوم ياعزيزتي.
يسمع صدى صوتها يرد عليه قائله:
- سوف أتبعك بعد قليل.
يتجه نحو غرفته، يستلقي على فراشه، يردد الأذكار التى أعتاد عليها قبل نومه، بعدما فرغ، رأى زوجته تفتح باب الحجرة وتدخل لتنام بجواره، همست فى أذنه قائله:
- لقد أشتقت إليك كثيرا ياعزيزى
- وأنا أيضا ياعزيزتي
- سأنتظرك الليله.
أغمض عينيه أستعدادا للنوم، مر شريط حياته أمام عينيه، رأى نفسه طفلا ذاهبا للمدرسة برفقة والده، أمه تحتضنه بشدة عندما أنهى تعليمه الجامعي، أول لقاء بينه وبين زوجته ورفيقة حياته، عرسهما والجميع يرقصون فرحين بهما، فرحتهما بمولودهما الأول، جنازة زوجته.
شعر بثقل فى قدميه، جسده خفيفا يرتفع للأعلى، فتح عينيه بصعوبة، رأى وجه زوجته يطل عليه من أعلى مبتسمه
تخاطبه قائله:
- انا فى أنتظارك ياعزيزى.
شعر بإقتراب أجله، رد عليها قائلا:
- أنا قادم ياعزيزتي.
ردد الشهادة ثلاثا وأغلق عينيه للمرة الأخيرة.